menu
menu
الثقافة

طقوس يوم الموتى في المكسيك: بهجة الألوان واحتفاء بالذكريات أقوى من الفراق

KaiK.ai
04/08/2025 18:29:00

تُعدّ طقوس يوم الموتى في المكسيك رمزًا عميقًا يعبّر عن تلاقي القديم بالجديد، إذ يجمع الاحتفال بين التقاليد الأزتيكية العريقة والمعتقدات الكاثوليكية التي جلبها الاستعمار الإسباني. يشتهر هذا اليوم، الذي يُصادف الأول والثاني من نوفمبر، باسم "ديا دي لوس مويرتوس" (Día de los Muertos)، ولا يعد مناسبة للحزن أو النحيب، بل هو عيد البهجة والألوان، حيث يجتمع الناس لتكريم أرواح أحبائهم الذين رحلوا. وتكمن أهمية هذا الطقس في الاعتقاد بأن أرواح الموتى تعود في هذه الأيام إلى العالم الأرضي لزيارة أقاربها، فيسعى الأحياء لجعلها تحظى باستقبال دافئ ومبهج.

احتفالات فريدة تغمر المكسيك بالألوان

ما يميز الاحتفالات المكسيكية بيوم الموتى هو لوحة الألوان الزاهية والرموز المميزة التي تزين الشوارع والمنازل وحتى المقابر. تستخدم الورود البرتقالية، المعروفة باسم "سيمباسوتشيل" (Cempasúchil)، لتزيين الأضرحة وترمز إلى الشمس والحياة الأبدية. أما جماجم السكر (Calaveras de Azúcar) فتُصنع من السكر وتزخرف بألوان نابضة، ويتم تبادلها بين الأصدقاء والأقارب كرمز للضحك في وجه الموت والتقبل الدافئ له. كما تُوضع المصابيح الشمعية لإضاءة طريق الأرواح إلى منازل ذويها.

رموز تقليدية تتجاوز حدود الفراق

يحمل يوم الموتى عدة رموزٍ خاصة تعبّر عن عمق الروح المكسيكية في التعامل مع الموت، حيث يتم إعداد "الأوفريندا" (Ofrenda)، وهي مذبح منزلي يزين بالصور ومقتنيات الأحبة الراحلين. على هذه المذابح نجد أنواعًا من الأطعمة التي كان الميت يحبها، مثل خبز الموتى (Pan de Muerto)، إضافةً إلى مشروباتهم المفضلة وبعض مقتنياتهم الشخصية. وتعمل هذه الطقوس على جذب الأرواح وتقديم الاحترام لها بطريقة مرحة. في بعض الأماكن، تُجرى مواكب واستعراضات ضخمة يرتدي فيها المشاركون أزياءً مزخرفة تُحاكي هياكل عظمية، ويضعون مستحضرات تجميل مستوحاة من الجماجم الملونة.

متى ولماذا بدأت هذه التقاليد؟

جذور هذه الطقوس الضاربة في التاريخ تعود إلى القبل الإسبانية، حيث كان لشعوب الأزتيك والمايا وغيرها تقاليد روحية متعلقة بالموت والعالم الآخر. لم يكن الموت نهاية بل امتدادًا للحياة بطريقة مختلفة؛ لذا كانت هناك أيام مخصصة للاتصال بالأرواح. مع قدوم الإسبان، اندمجت هذه الطقوس مع مناسبة "عيد جميع القديسين" المسيحي، لتظهر لنا تقاليد يوم الموتى بشكله الحالي. وقد حرص الشعب المكسيكي على إبراز الهوية الوطنية في هذه المناسبة، باعتبارها تظل إلى اليوم رمزًا للصمود أمام الفراق وقوة الذكرى.

كيف يحتفل الناس بيوم الموتى؟

تتجلّى مظاهر الاحتفال بيوم الموتى في المكسيك بطقوس وفعاليات تخطف الأنظار وتُدخل البهجة إلى النفوس، ومنها:

أجواء الاحتفال تبعث رسالة مفادها أن الموت ليس نهاية تفصل بين الأحباب، بل فرصة لتقوية الروابط الروحية وتكريم الذكريات السعيدة.

يوم الموتى في الثقافة العالمية اليوم

خلال السنوات الأخيرة، تحول يوم الموتى إلى ظاهرة ثقافية عالمية، حيث بدأت مدن مختلفة حول العالم في تقليد هذا الاحتفال الفريد، خصوصًا بعد ظهوره في أفلام عالمية مثل فيلم "Coco" الشهير. وقد قامت منظمة اليونسكو بإدراج طقوس يوم الموتى عام 2008 ضمن قائمة "التراث الثقافي غير المادي للإنسانية"، ما عزز من اهتمام العالم بهذا التقليد وقيمته الإنسانية والثقافية. وأصبح الاحتفال فرصة لتعريف الشعوب بمفهوم مختلف للموت يقوم على التآلف مع الذكرى بدل الكآبة، مما يجعله حدثًا يبعث على الأمل في قلوب المشاركين من مختلف الثقافات.

رسالة أمل وحياة أقوى من الفراق

في نهاية الأمر، يعكس يوم الموتى في المكسيك فلسفة عميقة نحو الحياة والفراق؛ إذ يُعلم الناس فن الاحتفاء بالحياة والاعتراف بقوة الذكرى وجمال الروح البشرية حتى بعد الوداع. من خلال الألوان والضحك والأغاني والاحتفال الجماعي، يرفض المكسيكيون الاستسلام للحزن ويحملون ذكرى الراحلين بقوة الفرح لا الدموع. هكذا، يبقى هذا العيد رسالة مشرقة تُذكّر الجميع بأن الذكرى أقوى من الفراق، وأن الحياة تستحق دومًا أن نحتفل بها، مهما غابت الوجوه.

بواسطة KaiK.ai