
في قلب الغابات الكثيفة والسافانا في آسيا وأفريقيا، يعيش مخلوق مدهش لا يكاد يعرفه الكثيرون في عالمنا العربي، إنه البانغولين أو كما يسمى أحياناً "آكل النمل الحرشفي". يُعد البانغولين من الثدييات الليلية التي تتميز بشكلها الفريد، فهي مغطاة بالكامل تقريباً بحراشف صلبة تشبه الدروع، مما يمنحها مظهراً شبيهاً بالزواحف رغم كونها من الثدييات. هذه الحراشف مصنوعة من الكيراتين، وهي المادة نفسها التي تتكون منها أظافر الإنسان. يفضل البانغولين العزلة والتنقل ليلاً بحثاً عن غذائه، معتمداً على حاسة شم قوية لتعقب النمل والنمل الأبيض، ما يجعله جزءاً محورياً في النظام البيئي الذي يعيش فيه.
تهريب البانغولين: قصة تجارة مظلمة
لا يتصدر البانغولين عناوين الأخبار غالباً، لكن في عالم تهريب الحيوانات يحتل رأس القائمة، إذ يُعتبر الثدييّ الأكثر تهريباً في العالم. تقارير المنظمات المعنية بحماية الحياة البرية تظهر أن ملايين البانغولين يتم صيدهم وتهريبهم سنوياً، وغالبيتهم يتم الاتجار بهم إلى شرق آسيا، لاستخدامهم في الطب الشعبي والمطاعم الفاخرة. هذا الطلب الكبير أدى إلى تراجع أعداد البانغولين في البرية بشكل خطير، حتى أن بعض أنواعه باتت اليوم مهددة بالانقراض. السوق السوداء لهذه المخلوقات تولد أرباحاً هائلة، وتغذيها معتقدات خاطئة حول فوائد حراشف البانغولين للصحة، مع أنها لا تحمل أي قيمة طبية مثبتة علمياً.

حقيقة مثيرة: لماذا يُعد البانغولين مهمًا؟
قد يتساءل البعض: ما أهمية حماية البانغولين؟ في الواقع، لهذا الحيوان دور بيئي لا يمكن الاستغناء عنه. من خلال تناوله كميات هائلة من النمل والنمل الأبيض، يحد البانغولين من انتشار هذه الحشرات التي قد تلحق أضراراً بالمحاصيل أو الأخشاب أو حتى المباني. وإضافة لذلك، يساعد البانغولين في تهوية التربة بفضل حفرياته المستمرة بحثاً عن الطعام، مما يعزز خصوبة الأرض ونمو النباتات. ففقدان البانغولين لا يعني فقط خسارة نوع نادر، بل أيضاً اختلال في التوازن البيئي الذي قد تؤدي نتائجه السلبية إلى الإنسان نفسه.
البانغولين: حقائق لا تعرفها
يمر البانغولين بعدة مراحل مثيرة خلال حياته، وفيما يلي أبرز الحقائق عن هذا الكائن الفريد:
- هناك ثمانية أنواع معروفة من البانغولين، أربعة منها تعيش في أفريقيا وأربعة في آسيا.
- عند الشعور بالخطر، يقوم البانغولين بالتكور على نفسه ليشكّل كرة محمية بحراشفه الحادة، وهي آلية دفاع ناجعة ضد معظم الحيوانات المفترسة.
- تعيش بعض أنواع البانغولين على الأشجار، وترتفع برشاقة حاملة معها درعها الثقيل، بينما تفضل أنواع أخرى الحياة في الجحور على الأرض.
- تلد أنثى البانغولين مرة واحدة سنوياً عادةً، ويكون حجم الصغير بحجم فأر صغير وتظل الرعاية الأمومية مستمرة لعدة أشهر.
- عمر البانغولين في البرية يصل إلى حوالي عشرين عاماً إذا ظل بعيداً عن متناول الصيادين.

تحديات مكافحة التهريب والحفاظ على البانغولين
بالرغم من إدراجه ضمن معاهدة التجارة العالمية للأنواع المهددة بالانقراض (CITES) وتحريم صيده، إلا أن ضعف تطبيق القوانين ووجود شبكات جريمة منظمة يزيدان من صعوبة حماية البانغولين. تعتمد الجهات المعنية على التعاون الدولي وتوعية المجتمعات المحلية للحد من الطلب ومراقبة الأسواق، كما يتم استثمار التقنيات الحديثة، مثل تتبع الشحنات وتحليل الحمض النووي، للكشف عن عمليات التهريب. وتبذل منظمات حماية الحياة البرية جهوداً كبيرة لإعادة تأهيل البانغولين المصادَر وإعادته إلى بيئته الطبيعية، لكن المهمة لا تزال صعبة بسبب التسلل المستمر للصيادين.
المستقبل في أيدينا: ما الذي يمكن فعله؟
الخطوة الأولى لأي تغير حقيقي تبدأ من زيادة الوعي، فلو أدرك الناس في كل مكان، وخاصة في الدول المستورِدة له أن استخدام حراشف البانغولين أو لحمه لا يقدم أي فائدة، فسينخفض الطلب تلقائياً. نحن من خلال نشر المعرفة وتوعية من حولنا، يمكننا الضغط على المؤسسات لاتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد المهربين. دعم البرامج البيئية وتبني سياسات جديدة لحماية حق الحياة البرية ليست رفاهية، بل ضرورة للبيئة والبشرية على حد سواء. في النهاية، هناك مسؤولية مشتركة على الجميع، فالكوكب ليس ملكنا وحدنا، والعناية بمخلوق مثل البانغولين هي جزء من التزامنا الأخلاقي بالعناية بالتنوع البيولوجي، وضمان مستقبل آمن للطبيعة وللإنسان.