menu
menu
الثقافة

قصة الإنكا والإسبان: كيف دمرت حفنة من الغزاة حضارة جبارة في جبال الأنديز؟

KaiK.ai
20/07/2025 19:01:00

في أعماق جبال الأنديز الشاهقة بأمريكا الجنوبية، ازدهرت حضارة الإنكا كواحدة من أكثر الحضارات تطوراً وقوة في التاريخ قبل الكولومبي. كانت إمبراطورية الإنكا، التي عُرفت باسم "تاوانتينسيو"، تمتد من الإكوادور شمالاً حتى تشيلي جنوباً، وتضم ملايين السكان. لم يكن لديهم نظام كتابة متقدم، لكنهم أبدعوا في الرياضيات والهندسة والزراعة، وأنشأوا شبكة مذهلة من الطرق بطول يزيد عن 40 ألف كيلومتر، وكان لديهم نظام متطور لنقل الرسائل عبر العدائين. كما أبدعوا في بناء المدن؛ وأكثرها شهرة ماتشو بيتشو التي لاتزال تحيّر الباحثين والمستكشفين حتى اليوم بأساليب بنائها وأسرارها المخبأة بين الصخور العالية.

الإسبان على الأبواب: بداية الغزو ولقاء العالمين المختلفين

عام 1532، وصل الإسبان بقيادة فرانثيسكو بيثارو إلى حدود إمبراطورية الإنكا المنهكة جراء حرب أهلية مدمرة. كان عددهم لا يتجاوز 180 جندياً، لكنهم جلبوا معهم أسلحة نارية وخيول لم يشاهدها شعب الإنكا من قبل. استغل بيثارو حالة الانقسام بين الإنكا ودعا الامبراطور الشاب أتاهوالبا إلى لقاء ظاهره سلمي. خلال جلسة قصيرة اتسمت بالهدوء والترقب، فاجأ الإسبان الإنكا بهجوم خاطف رهيب أودى بحياة الآلاف وأسر الإمبراطور بسهولة، وبهذا بدأت نهاية إمبراطورية هائلة بيد حفنة من الغزاة.

لماذا انهارت إمبراطورية بحجم الإنكا بهذه السرعة؟

السبب في انهيار الإنكا ليس فقط قوة السلاح الأوروبي، بل هنالك عدة عوامل متداخلة ساهمت بقوة في سقوط الإمبراطورية، منها:

الذهب والفضة: شهوة لا تُقاوم ومحرك للغزو

من اللحظة الأولى التي وطأت فيها أقدام الغزاة الإسبان أرض الإنكا، بهرهم الذهب الوفير الذي كانوا يستخدمونه في الزينة والمعابد والطقوس الدينية. واعتقد الإسبان أن كوزكو، عاصمة الإنكا، هي مدينة من الذهب، ما دفعهم لمواصلة الهجوم والنهب بلا هوادة. تم تجميع ثروات هائلة من الكنوز المنهوبة، التي أُرسلت إلى إسبانيا وغيرت تاريخ الاقتصاد الأوروبي. لكن المفارقة المحزنة أن سكان الإنكا، الذين استخدموا الذهب للزينة والاحتفالات الدينية، لم يمنحوه ذات القيمة المالية التي أعطاها له الأوروبيون، مما ساعد على سرعة سرقته وضياعه.

لم يستسلم أبناء الإنكا بسهولة؛ فعلى مدى عقود بعد سقوط كوزكو، شهدت جبال الأنديز حركات مقاومة عنيفة ضد الحكم الإسباني. قاد الأمير مانكو إنكا ثورات متتابعة واضطر الإسبان لسنوات إلى قتال عنيف مع الثوار الذين لجأوا إلى أعماق الجبال وأسسوا مملكة مقاومة أخيرة في "فيليكابامبا". كما اشتهرت قصة "كنز الإنكا المفقود" والتي تقول الأساطير أنها كنوز ضخمة تم إخفاؤها عن الإسبان، ولا تزال قصصها تلهم الباحثين والمغامرين حول العالم إلى اليوم.

أثر الغزو في الثقافة والتراث وأسرار الأنديز حتى اليوم

مع زوال إمبراطورية الإنكا، اختفت العديد من الطقوس والمراسم واللغات، غير أن الكثير من التقاليد والشيفرات الثقافية ما زالت حية في حياة شعب الأنديز حتى الآن. ما تزال لغة الكيشوا منتشرة في أوساط ملايين الناس، كما بقيت الزراعة والمدرجات الحجرية وأنظمة الري شاهدة على براعة الإنكا. حتى الأساطير وأغاني الحزن المفتقدة وثقافة الاحترام للطبيعة والأرض تجذرت في وجدان الشعوب الحديثة في البيرو وبوليفيا والإكوادور. بينما بقيت حضارة الإنكا بمآسيها وأمجادها عنواناً عالمياً عن صعود وسقوط الأمم، ودليلاً على كيف يمكن لحدث واحد أن يغير مصير قارة بأكملها.

بواسطة KaiK.ai