menu
menu
الأعمال

هل تتكرر فقاعة الإنترنت؟ تحذير غولدمان ساكس من طفرة الذكاء الاصطناعي

KaiK.ai
08/10/2025 08:04:00

يشهد العالم اليوم طفرة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، دفعت العديد من الشركات الكبرى والمستثمرين إلى ضخ مبالغ هائلة في هذا القطاع، على أمل تحقيق أرباح ضخمة وسريعة. ومع صعود أسهم شركات التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلى مستويات قياسية، بدأ البعض يتساءل: هل يمكن أن نشهد تكراراً لفقاعة الإنترنت التي انفجرت في مطلع الألفية الجديدة وما جلبته من خسائر فادحة للأسواق العالمية؟

أثار بنك غولدمان ساكس مؤخراً تحذيراً لافتاً حول المخاطر التي قد تحملها طفرة الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن الحماس المفرط والضخ المالي غير المدروس قد يؤدي إلى سيناريو مشابه لما حدث في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يومها كانت شركات كثيرة قد سجّلت ارتفاعات مذهلة في قيمتها السوقية دون أن تملك نماذج ربحية حقيقية ومستدامة.

تعود فقاعة الإنترنت، أو ما يُعرف بفترة الـ"دوت كوم"، إلى فترة اتسمت بالتفاؤل المفرط من قِبل المستثمرين تجاه شركات التكنولوجيا الناشئة. في تلك السنوات، هرع المستثمرون إلى شراء أسهم شركات لم تحقق أرباحاً فعلية، فقط لأن لديها موقعاً إلكترونياً أو تعرض نفسها كأحد رواد الإنترنت. سرعان ما انفجرت الفقاعة في عام 2000، لتفقد الأسواق الأمريكية أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمتها.

اليوم، تُشبه أجواء الاستثمار في الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير الأجواء التي سبقت فقاعة الإنترنت. تضاعفت أسعار أسهم بعض الشركات التقنية، خاصة تلك العاملة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تعلم الآلة ومعالجة البيانات الضخمة. أصبحت مفاهيم مثل "نماذج اللغة الضخمة" و"الحوسبة السحابية" محط أنظار العالم، وتضاعفت قيم الشركات التي تمتلك خبرة أو مشاريع في هذا القطاع الواعد.

المثير هنا أن شركات الذكاء الاصطناعي باتت تحصل على تقييمات سوقية ضخمة، حتى قبل إثبات وجود إيرادات مستدامة. وهذا يرفع نسبة المخاطرة المرتبطة بالاستثمار في تلك الشركات. فالكثير من هذه الشركات تعتمد حالياً على الوعود المستقبلية والآمال في سيطرة الذكاء الاصطناعي على جميع مناحي الحياة والاقتصاد.

بحسب تقرير غولدمان ساكس، فإن الحماس الهائل تجاه الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تضخم غير صحي في الأسهم، خاصة إذا لم تتحقق التوقعات العالية حول قدرة الذكاء الاصطناعي على زيادة الإنتاجية وتحقيق التحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي قريباً. وأضاف البنك أن “التاريخ المالي يعلمنا أن المبالغة في تقدير الإمكانيات المستقبلية للتكنولوجيا، من دون نتائج مالية واضحة، كثيراً ما ينتهي بتصحيح عنيف في الأسعار”.

ورغم ذلك، هناك من يدافع عن أن الوضع الحالي يختلف عن فقاعة الدوت كوم، حيث أن الكثير من القطاعات الصناعية قد بدأت بالفعل في دمج الذكاء الاصطناعي ضمن عملياتها الإنتاجية وتحسين منتجاتها وخدماتها. فعلى سبيل المثال، تستخدم شركات الرعاية الصحية الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية والتشخيص، وتستفيد شركات السيارات من هذه التكنولوجيا في تطور السيارات ذاتية القيادة.

يؤكد بعض المحللين أن الفارق الأساسي بين اليوم وأيام فقاعة الإنترنت، يكمن في التطور التكنولوجي السريع واعتماد قطاعات عديدة بالفعل على الذكاء الاصطناعي، ما من شأنه أن يمنح طفرة الذكاء الاصطناعي قاعدة أقوى وأكثر استدامة. مع ذلك، لا يمكن إنكار وجود مظاهر تشبه الحماسة المفرطة التي عرفها العالم قبل انفجار فقاعة الإنترنت.

من الملاحظ أيضاً أن حجم الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي ليس هو وحده ما يدعو للقلق، بل طريقة توزيع تلك الاستثمارات على الشركات. فهناك تركيز واضح على عدد محدود من الشركات العملاقة مثل مايكروسوفت، جوجل، وإنفيديا، إذ نجحت في الاستفادة من ريادتها التكنولوجية أو بنيتها التحتية الضخمة. بينما تعاني العديد من الشركات الناشئة من صعوبة في بناء نماذج تسويقية قوية أو الحفاظ على مواردها المالية.

في المقابل، يشير بعض المحللين إلى أن توسع استخدام الذكاء الاصطناعي قد يخلق تحولات هيكلية في الاقتصاد العالمي، ما قد يؤدي إلى موجات من الاندماجات والاستحواذات، فضلاً عن احتمال اختفاء بعض القطاعات التقليدية لصالح حلول الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة وربحية.

الملفت أن الذكاء الاصطناعي أصبح يلامس حياة الملايين في مجالات متنوعة، من العمل والتعليم مروراً بالاستهلاك والترفيه، وصولاً إلى عمليات التحليل الأمني واكتشاف الأوبئة. هذا الاندماج السريع في أنماط الحياة يعزز حقيقة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موجة مؤقتة بل مسار طويل ومستدام.

ومع كل ذلك، لا يمكن تجاهل التحذيرات بخصوص خطورة تراكم التوقعات المفرطة، واللجوء إلى الاستثمار في شركات، ربما يعيد إلى الأذهان مصير شركات الإنترنت في مطلع الألفية. ففي تلك الفترة، أغلقت آلاف الشركات أبوابها، وفقد كثيرون رؤوس أموالهم بسبب الرهانات غير المدروسة.

اليوم، وعلى الرغم من اختلاف الحقائق التقنية، إلا أن نصيحة كثير من الخبراء هي الجمع بين الحذر والفرص. فكما يحمل الذكاء الاصطناعي مستقبلاً واعداً، فإن الأسواق تحتاج إلى اتزان بين الجاذبية التكنولوجية وواقعية الأرقام المالية.

هل تتكرر فقاعة الإنترنت؟ الإجابة لم تتكشف بعد بشكل نهائي. لكن الواضح أن التاريخ يُحب أن يكرر نفسه، وأن الأسواق مهما تطورت تظل عرضة لنفس التدفقات من الحماس والمخاطرة. الذكاء الاصطناعي قد يصبح أعظم اختراع أنقذ البشرية، لكنه قد يتحول أيضاً إلى مصدر لكبرى الخسائر المالية إذا لم يصاحبه واقعية اقتصادية وفهم نقدي متزن.

في النهاية، يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي بين يدي الحذرين والمغامرين على حد سواء، والأيام وحدها كفيلة بالكشف عمّا إذا كنا بالفعل نقترب من "فقاعة" جديدة، أم أن العالم تعلم دروس الماضي جيداً.

بواسطة KaiK.ai