
شهدت مراقبة الطيور في المدن في السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بين سكان الحضر، لتتحول فجأة إلى نشاط جديد يزدهر في عطلة نهاية الأسبوع. إذ أصبح كثير من الأشخاص يبحثون عن وسائل للاسترخاء، بعيدًا عن صخب المدينة وضغوطها اليومية، فاكتشفوا أن الطيور تسكن بينهم وتمنحهم فرصة فريدة للتأمل وتحقيق التواصل مع الطبيعة.
يعود هذا الشغف المتنامي بمراقبة الطيور إلى عدة أسباب، أولها الوعي البيئي الذي انتشر مؤخرًا بين سكان المدن. فهم أصبحوا يدركون أهمية حماية التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة حتى وسط المباني والأحياء الحضرية. كما أن مراقبة الطيور تتيح لهم مراقبة آثار التغيير البيئي والحضري من حولهم بشكل مباشر، ما ينمي حس المسؤولية لديهم تجاه الطبيعة.
تُعتبر مراقبة الطيور نشاطًا منخفض التكلفة، حيث لا يحتاج سوى إلى نظارة مكبرة وبعض المعلومات البسيطة عن أنواع الطيور، ويمكن ممارسته في الحدائق العامة أو حتى من شرفة المنزل. هذا ما جعله خيارًا مثاليًا للعائلات والشباب على حد سواء. فهي رياضة ذهنية تغذي الفضول وتوفر لحظات من المتعة والمفاجأة عند رصد طائر جديد أو غير مألوف.
يفاجأ الكثيرون بوجود تنوع من الطيور وسط المدن، فليست كل الطيور هناك مجرد حمام أو عصافير منزلية بسيطة، بل هناك أنواع نادرة تقطع آلاف الكيلومترات خلال موسم الهجرة وتستقر مؤقتًا في الحدائق الحضرية. هذه الاكتشافات تعطي مراقبة الطيور بعدًا مغامرًا، وكل خروج لممارسة الهواية يحمل مفاجآت محتملة.
يشير خبراء الطيور إلى أن مراقبة الطيور تساعد على تهدئة الأعصاب وتحسين الصحة النفسية؛ فالتركيز على تصرفات الطيور وألوانها وأصواتها يُخرج الشخص من دوامة التفكير والقلق. لهذا السبب، ينصح الأخصائيون النفسيون بمثل هذه الأنشطة الحسية كوسيلة فعالة للتخفيف من التوتر.
من جهة أخرى، عززت وسائل التواصل الاجتماعي من انتشار هواية مراقبة الطيور، حيث أصبح المشاركون ينشرون صورًا ومقاطع فيديو للطيور التي يرصدونها، ويتبادلون المعلومات حول أفضل الأماكن والأوقات للمراقبة. أدى ذلك إلى ظهور مجموعات مجتمعية صغيرة تعمل على تنظيم رحلات جماعية أو مسابقات لرصد أكبر عدد من الطيور خلال عطلة نهاية الأسبوع.
تساهم هذه الهواية أيضًا في التعرف على تاريخ المناطق الحضرية. فكثير من الطيور ترتبط وجودها بتحولات بيئية أو عمرانية قديمة، وتروي قصصًا عن علاقة الإنسان بالطبيعة في المدن عبر الزمن.
المدهش أن مراقبة الطيور لم تعد مقتصرة على كبار السن ومتقاعدي المدن، بل دخلت إلى جداول الشباب وحتى الأطفال، نظرًا لقدرتها على إشغال العقول وتنمية روح الملاحظة لديهم، إضافة إلى بناء شعور بالانتماء للأماكن الحضرية التي يعيشون فيها.
تؤكد الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يمارسون مراقبة الطيور يصبح لديهم وعي أكبر بقضايا حماية البيئة وأهمية المساحات الخضراء في المدن. كما يميلون إلى المشاركة في مبادرات تنظيف الحدائق أو زراعة الأشجار لدعم مواطن الطيور.
من الفوائد غير المباشرة لهواية مراقبة الطيور في المدن، تعزيز العلاقات الاجتماعية. إذ يتعرف المشاركون على أشخاص يشاركونهم الاهتمام نفسه، وينسجون صداقات مبنية على حب الاكتشاف والطبيعة.

يشير الباحثون إلى أن ازدياد النشاط في عطلة نهاية الأسبوع يرتبط أيضًا بالرغبة في كسر الروتين، ما يجعل مراقبة الطيور خيارًا مثاليًا لتحقيق التوازن بين الحياة العملية والترفيه.
تتنوع الطيور التي قد تظهر في المدن، من عصافير الدوري واليمام إلى أنواع مهاجرة مثل أبو الحناء وطيور السنونو، فكل طائر يحمل قصة وجمالًا يستحق الرصد والتقدير.
يلفت منظمو هذه الهواية الانتباه إلى أهمية ممارسة مراقبة الطيور بشكل مسؤول، بحيث لا يتسبب المراقبون في إزعاج الطيور أو تدمير مواطنها الطبيعية.
يعتقد البعض أن مراقبة الطيور في المدن أدخلت نوعًا جديدًا من السياحة الداخلية، حيث يفضل كثيرون استكشاف الحدائق المحلية بدلًا من السفر، خاصة مع الصعوبات الاقتصادية أو القيود المفروضة في بعض الفترات.
من المثير أن مراقبة الطيور تمنح الفرصة للخروج في الهواء الطلق حتى لمن ليست لديهم خبرة سابقة في علم الأحياء، فهي نشاط مكتسب يمكن لأي شخص تعلمه.
بمرور الوقت، أصبح هذا النشاط جزءًا من أنماط الحياة الحضرية، ولا عجب أن كثيرًا من المدن بدأت بتنظيم فعاليات وبرامج لدعم وتشجيع مراقبة الطيور بين السكان.
مع ازدياد شعبية مراقبة الطيور، من المتوقع أن تستمر في النمو، لتصبح واحدة من أكثر الأنشطة الهادفة والممتعة في عطلة نهاية الأسبوع، تجمع بين الاسترخاء والمعرفة والتواصل البشري والطبيعي.