في السنوات الأخيرة، ظهرت تغييرات واضحة في طريقة تفاعل جيل z مع عالم الجمال والمكياج. هذا الجيل، الذي ولد في الفترة بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، بات يميل بوضوح إلى المكياج البسيط والطبيعي، متجنبًا الإطلالات الجريئة والمبالغ فيها التي كانت رائجة في أجيال سابقة. فما هي الأسباب التي تدفع شباب وشابات جيل z نحو هذا التوجه؟ وما العوامل التي ساعدت في تشكيل نظرته الخاصة للجمال؟
من العوامل الأساسية التي تلعب دورًا مهمًا في هذا التحول، قوة وسائل التواصل الاجتماعي. لقد نشأ جيل z في عصر الإنترنت، الأمر الذي جعله أكثر وعيًا بتأثير الصور المعدلة والفلاتر. ومع انتشار ثقافة تقبل الذات، أصبح لدى شباب هذا الجيل دافع أقوى لإظهار بشرتهم الطبيعية وقبول عيوبها، بدلاً من محاولة إخفائها تحت طبقات من المنتجات.
البساطة أصبحت رمزًا للثقة بالنفس بالنسبة لجيل z. فهم يرون أن التجمّل البسيط لا يقلل من جاذبيتهم، بل يعكس شخصياتهم الحقيقية ويبرز سمات وجوههم الطبيعية. وهو ما يتعارض مع المفهوم القديم الذي كان يعتبر المكياج اللامع والمكثف علامة على الجرأة والجمال.
من الدوافع البارزة لهذا الاتجاه أيضًا، ارتفاع وعي الجيل الجديد حول القضايا البيئية والصحة. كثير من شباب جيل z يفضلون اختيار منتجات تحتوي على مكونات طبيعية وخالية من المواد الكيميائية القاسية، لأنهم يدركون تأثير المنتجات على صحتهم وعلى البيئة. الشفافية في صناعة الجمال باتت من ضمن أولوياتهم، فيحرصون على معرفة مصدر المنتجات وطريقة تصنيعها.
فضلاً عن ذلك، شهدنا تغيرًا في معايير الجمال بسبب تأثير عدد كبير من المؤثرين والمشاهير من جيل z الذين يشجعون على إبراز الملامح الفريدة وتوظيف مكياج بسيط ومتجدد يناسب كل شخص على حدة. هؤلاء المؤثرين لا يخشون مشاركة صورهم دون مكياج أو بمكياج خفيف على منصاتهم، ما جعل العامة يشعرون أن الجمال الحقيقي لا يحتاج للكثير من الزينة.
كما أن الإيقاع السريع للحياة اليومية فرض على جيل z اللجوء إلى حلول سريعة وعملية. المكياج البسيط يستغرق وقتًا أقل ويلائم أنشطتهم المتنوعة، من الدراسة إلى العمل وحتى الخروج مع الأصدقاء. وهذا يتماشى مع رغبتهم في الراحة والابتعاد عن التعقيد.
العامل الاقتصادي لديه مساحة مهمة أيضًا. كثير من شباب هذا الجيل يدخلون سوق العمل مبكرًا أو يعتمدون على مصروف محدود، لا يكفي لإنفاق مبالغ كبيرة على مجموعات مكياج متعددة. لذلك، يفضلون شراء منتجات أساسية متعددة الاستخدامات، ما يقلل النفقات ويزيد لديهم شعور الاستقلالية.
ملامح العصر الحديث أثّرت كذلك على سلوك استهلاك جيل z. نجد أن غالبية هذه الفئة العمرية تميل إلى الشفافية وتبتعد عن التزييف. هم يرون في العفوية جانبًا من جوانب الجمال، لذلك أصبحت الإطلالات البسيطة طريقة للتعبير عن الذات بصدق وبعيدًا عن تقليد الآخرين.
من الجدير بالذكر، أن التوعية الإعلامية والحديث المتكرر عن أهمية صحة البشرة ساعدا في نشر ثقافة العناية بالبشرة قبل التفكير في تغطيتها. أصبح الاهتمام بغسل الوجه واستخدام الكريمات الواقية من الشمس، من أهم أولويات جيل z، باعتبارها وسيلة للحصول على مظهر جميل دون الحاجة للكثير من المكياج.
أيضًا، يعكس هذا التوجه تغيرًا ثقافيًا عالميًا نحو التنوع والقبول، حيث بات الجمال لا يتحدد بمواصفات صارمة أو محددة سلفًا. فلكل شخص حرية إبراز جماله بطريقته الخاصة، دون الالتزام بخطوط الموضة التقليدية.
من بين الأسباب المؤثرة، ظهور موجة جديدة من العلامات التجارية الناشئة المتخصصة في تقديم منتجات مكياج بتركيبات بسيطة وعملية، تلبي احتياجات هذا الجيل وتنسجم مع قيمهم. هذه العلامات التجارية تلقى رواجًا واسعًا على منصات التواصل.
تعدد الأذواق وانفتاح جيل z على الثقافات المختلفة أتاح لهم الاطلاع على أساليب مكياج متنوعة حول العالم، ما شجّعهم على اختيار البساطة كخيار شخصي بدلًا من اعتباره قاعدة ثابتة في عالم الجمال.
بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن استخدام المكياج البسيط يعزز الشعور بالراحة النفسية ويقلل من التوتر المرتبط بالسعي للكمال في المظهر الخارجي. وهذا ما لاحظه كثير من الشباب في تجاربهم اليومية.
في النهاية، يُمكن القول إن تفضيل جيل z للمكياج البسيط هو نتيجة تداخل عدة عوامل اجتماعية، اقتصادية، تكنولوجية وثقافية، أكسبت هذا الجيل ذوقًا فريدًا يستند على الواقعية وقبول الذات.
قد يرى البعض أن هذه الموجة مؤقتة، إلا أن دلائل عديدة تشير إلى استمرارها وتطورها مع الزمن، خصوصًا مع تزايد الوعي لدى الأجيال الجديدة بأهمية الاعتناء بالبشرة وقيم الاستدامة.
توجه جيل z نحو المكياج البسيط ليس مجرد ظاهرة جمالية، بل هو تعبير عن طريقة تفكيرهم وتفاعلهم مع الضغوط الحياتية، ورغبتهم في أن يعكس مظهرهم الخارجي قيمهم الداخلية.
هكذا يثبت جيل z أنه جيل واعٍ وعملي، يعرف كيف يوازن بين الجمال الذاتي والمسؤولية الاجتماعية في آنٍ واحد.