تشهد المكسيك ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الشوكولاتة وصل إلى نحو 20%، في موجة أثارت دهشة المستهلكين وأشعلت نقاشات واسعة بين عشاق الحلوى. لكن وراء هذا الارتفاع حكاية عالمية تتعلق بأزمة حادة في إنتاج الكاكاو، المادة الأساسية في صناعة الشوكولاتة، والتي تؤثر أيضًا في العديد من الأسواق حول العالم.
بدأت الأزمة في دول غرب أفريقيا، وخصوصًا في ساحل العاج وغانا، المسؤولتين عن إنتاج أكثر من 60% من الكاكاو عالميًا. تعرضت هذه المناطق لأحوال مناخية استثنائية، شملت الجفاف والأمطار غير المنتظمة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج بشكل ملحوظ هذا العام. هذه الأحداث انعكست مباشرة على أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية، حيث تضاعفت الأسعار تقريبًا خلال الأشهر الأخيرة.
يعتبر الكاكاو السلعة الخام التي لا غنى عنها لمئات من العلامات التجارية العالمية والمحلية في صناعة الشوكولاتة داخل المكسيك. مع ارتفاع تكلفة الكاكاو المستورد، وجدت المصانع نفسها مضطرة لرفع أسعار منتجاتها، خاصة الشوكولاتة الفاخرة والحلويات التي تعتمد بشكل رئيسي على جودة الكاكاو الخام.
وللتأقلم مع التغيرات المفاجئة، اضطر بعض المنتجين إلى تقليص حجم عبوات الشوكولاتة دون الإعلان الصريح عن ذلك، وهو ما يعرف بسياسة “الانكماش التضخمي”. وعلى الرغم من بقاء سعر العبوة كما هو أحيانًا، إلا أن المستهلك يحصل على كمية أقل من الشوكولاتة، وهو اتجاه لاحظه الجمهور بوضوح في الفترة الأخيرة.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فالمطاعم والمقاهي التي تقدم أصناف الشوكولاتة الساخنة والحلويات تأثرت كذلك، فارتفعت أسعار هذه المنتجات أو لجأ بعضها إلى تعديل وصفات الحلويات باستخدام بدائل أقل تكلفة أو تقليل كمية الشوكولاتة المستخدمة فيها.
وقد ظهرت متاجر الشوكولاتة المحلية في موقف صعب، إذ يعتمد كثير من صغار المنتجين على استيراد الكاكاو نظراً إلى محدودية الإنتاج المحلي المكسيكي الذي لا يكفي لسد حاجة السوق. وتخشى هذه المتاجر من أن يؤدي استمرار ارتفاع الأسعار إلى تراجع الطلب، ما قد يجبر بعضها على الإغلاق أو تقليص نشاطه.
ورغم المخاوف، يحمل خبراء اقتصاديون نظرة أقل سوداوية، معتبرين أن الأسعار قد تبدأ في الاستقرار إذا تحسنت الظروف المناخية في بلدان الإنتاج الرئيسة أو ظهرت مصادر جديدة للكاكاو من مناطق أخرى حول العالم.
تاريخيًا، لم يسبق أن شهد سوق الكاكاو مثل هذا التقلب الكبير في الأسعار منذ عقود، حيث أن الشوكولاتة كانت تعد حلوى في متناول معظم الطبقات الاجتماعية في المكسيك. اليوم، يعيد هذا الارتفاع تشكيل صورة الشوكولاتة في الأسواق لتصبح أقرب إلى سلعة فاخرة.
يلفت مختصون في الصناعة النظر أيضًا إلى جانب اجتماعي؛ فقد تدفع الأزمة الحالية المستهلكين إلى دعم المنتجات المحلية واكتشاف أنواع جديدة يتم إنتاجها على نطاق أصغر وتقديمها بنكهات فريدة مستمدة من الثقافة المكسيكية.
ومع ذلك، شدد بعض الطهاة على أهمية الشفافية مع المستهلكين حول أسباب ارتفاع الأسعار وجودة المكونات المستخدمة، مؤكدين أن الحفاظ على جودة المنتج عامل أساسي للحفاظ على الثقة بالنوعيات المحلية.
وفي هذا السياق، أبدى بعض المستهلكين استعدادهم لدفع المزيد طالما أن الشوكولاتة المُقدمة تحتفظ بجودتها وطعمها الأصلي. بينما أعرب آخرون عن قلقهم من أن تصبح الشوكولاتة رفاهية لن يكون بمقدور الجميع التمتع بها إذا استمرت الأسعار في الارتفاع.
جدير بالذكر أن الأزمة لا تقتصر على قطاع الشوكولاتة فقط، إذ أن العديد من الصناعات الغذائية التي تعتمد على الكاكاو دخلت هي الأخرى في تحديات مماثلة، سواء في أسعار الحلويات أو المشروبات التي يدخل الكاكاو ضمن مكوناتها.
في مواجهة هذه التحديات، تحاول بعض الشركات الاستفادة من الظرف لتعزيز الابتكار، سواء بابتكار منتجات جديدة أو اللجوء إلى أعشاب مكسيكية يمكن أن تضيف نكهات فريدة للحلوى.
من جهة أخرى، بدأ بعض رواد الأعمال في البحث عن بدائل طبيعية، مثل الشوكولاتة المصنوعة من الحليب النباتي أو الأصناف الخالية من السكر والمحليات الصناعية.
وسط هذه الأوضاع غير المسبوقة، تبقى الشوكولاتة رمزًا للمشاركة والاحتفال، وقد تساعد الأزمة على إعادة التفكير في عادات الاستهلاك وتقدير قيمة المنتج من المزرعة حتى لحظة الاستمتاع بأول قطعة.