في عصر كثرة المعلومات وسرعة نسيانها، يبحث الكثيرون عن طرق فعّالة للحفظ والتذكر الطويل الأمد دون معاناة أو ضياع للوقت. وقد ظهرت تقنية التكرار المتباعد أو ما يعرف بأسلوب "كالفيل" كإحدى الابتكارات التعليمية المميزة، التي أثبتت علمياً قدرتها على تثبيت أي معلومة في الذهن بشكل شبه دائم. هذه التقنية ليست مجرد أسلوب تقليدي للحفظ، بل تعتمد على علوم الدماغ والتعلم، وتم تطويرها بناءً على أبحاث شاملة في مجالي علم النفس المعرفي والتربوي.
كيف تعمل تقنية التكرار المتباعد؟
أساس تقنية التكرار المتباعد بسيط لكنه فعال للغاية: بدلاً من تكرار المعلومة عدة مرات في جلسة واحدة، يتم توزيع مراجعتها على فترات زمنية متباعدة ومتدرجة. على سبيل المثال، بعد تعلم معلومة جديدة، يتم مراجعتها بعد يوم، ثم بعد عدة أيام، ثم بعد أسبوع، وشهر، وهكذا. في كل مرة تعيد فيها المراجعة، تساعد عقلك على ترسيخ المعلومة في الذاكرة طويلة الأمد. تشير أحدث الدراسات إلى أن دماغ الإنسان يميل لنسيان المعلومات التي لا تتم مراجعتها بشكل دوري، وهنا تأتي قوة هذا الأسلوب. يعتمد مبدأ عمل التكرار المتباعد أيضاً على "منحنى النسيان" الذي وضعه العالم الألماني هيرمان إبنغهاوس، والذي يوضح كيف تتضاءل وتيرة النسيان مع كل مراجعة للمعرفة في أوقات مناسبة.
تقنية "كالفيل" وتطبيقاتها الرقمية في التعليم الحديث
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من التطبيقات التعليمية الذكية التي تستند إلى تقنية التكرار المتباعد، ولعل أشهرها تطبيق "كالفيل" الذي حاز شهرة واسعة في الدول العربية والعالمية. "كالفيل" يستخدم خوارزميات متقدمة لرصد أداء المتعلم واقتراح أفضل توقيت ممكن للمراجعة التالية، بناءً على مدى استيعاب ونسيان المستخدم للمعلومة. هذا يمنح كل متعلم جدولاً شخصياً فريداً خاصاً به، مما يجعل عملية التعلم أكثر كفاءة وأقل إجهاداً. من مزايا "كالفيل" أيضاً أنه يدعم مختلف أنواع المحتوى، سواء كانت كلمات لغة جديدة، أو قوانين رياضية، أو معلومات تاريخية معقدة.
لماذا تعتبر تقنية التكرار المتباعد فعّالة جداً؟
ترجع فعالية هذه التقنية إلى عدة أسباب علمية وعملية، ومن بينها:
- تحفيز الذاكرة طويلة الأمد: المراجعات المتباعدة تمنع تراكم المعلومات في الذاكرة القصيرة التي يسهل نسيانها.
- توفير الوقت والجهد: بدلاً من تكرار المعلومة بشكل عشوائي، تركز فقط على المعلومات التي توشك على النسيان، وبالتالي توفير وقت المذاكرة.
- رفع الكفاءة التحصيلية: بفضل جدول المراجعة الذكي، يمكن للطالب الاحتفاظ بعدد أكبر من المعلومات مع إجهاد ذهني أقل.
- تعزيز الدافعية: ملاحظة التقدم على المدى الطويل والتحسن في مستوى التذكر تحفز المتعلم وترفع من حماسه للاستمرار.
خطوات بسيطة لدمج التكرار المتباعد في روتينك الدراسي
للاستفادة القصوى من تقنية التكرار المتباعد، من المهم اتباع بعض النصائح العملية التي أثبتت فعاليتها:
- حدد أهدافاً تعليمية صغيرة ومحددة لكل جلسة تعلم.
- استخدم تطبيقات متخصصة مثل "كالفيل" لتنظيم جدول المراجعات تلقائياً.
- لا تنتظر حتى تنسى المعلومات، بل حاول مراجعتها قبل الوصول لمرحلة النسيان التام.
- دون ملاحظات مختصرة أو استخدم البطاقات التعليمية، فهي تسهّل عملية المراجعة السريعة.
- خصص وقتاً ثابتاً يومياً لمراجعة المعلومات وفق جدولك الشخصي، لضمان استمرارية التعلم.
مع التحول الرقمي الكبير الذي تشهده المؤسسات التعليمية في العالم العربي، غدت تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكرار المتباعد أدوات أساسية لأي شخص يسعى لتحقيق التفوق الأكاديمي أو المهني. حيث استخدمت هذه التقنيات بالفعل في تدريب أطباء، ومهندسين، وطلاب الجامعات؛ بل وتمتد فائدتها أيضاً لمن يريد تعلم لغة جديدة أو امتلاك مهارات حياتية إضافية. لا غرابة أن يكون النجاح المستمر والقدرة على الإبداع مرتبطين اليوم بتبني أدوات صحية مثل تقنية التكرار المتباعد، فهي تمنح المستخدم قدرتين هامتين: السيطرة على عملية التعلم وزيادة الثقة بالنفس. ومع زيادة وعي الأفراد والمجتمعات بأهمية هذه الأدوات، من المتوقع أن تشهد المدارس والجامعات العربية ثورة في أساليب التعليم تعزز من جودة المعرفة وديمومتها في عقول الأجيال القادمة.