menu
menu
الكون

من بغداد إلى مرصد أوكيمدن: رحلة الفلك العربي عبر الزمن والمكان

KaiK.ai
18/07/2025 18:40:00

على ضفاف نهر دجلة، نشأت بغداد كواحدة من أهم مراكز العلم في العالم الإسلامي خلال العصر العباسي. تميزت المدينة بازدهارها الثقافي والمعرفي، حيث كانت العلوم الفلكية تحتل مكانة مركزية في مجتمع العلماء هناك. أسس الخليفة المأمون "بيت الحكمة" الذي استقطب علماء من مختلف أنحاء العالم لترجمة مؤلفات اليونان والرومان والسريان، وأسهم في تثبيت أسس علم الفلك الإسلامي. كان العالم محمد بن موسى الخوارزمي من أوائل من وضع جداول فلكية دقيقة، كما كان هناك اهتمام كبير برصد الظواهر الفلكية وتصحيح الأخطاء التي وقع فيها الفلكيون القدامى.

أدوات الرصد الأولى: من الإسطرلاب إلى الأبراج الفلكية

تطور علم الفلك في بغداد لم يكن عشوائيًا، بل استند إلى اختراع أدوات رصد متقدمة مثل الإسطرلاب، الذي استخدم لقياس ارتفاع النجوم وحساب الزمن. لم تقتصر مساهمات بغداد على الجداول الحسابية، بل امتدت إلى بناء أبراج مراقبة فلكية ضخمة مثل "مرصد الشماسية" الذي أنشئ في القرن التاسع الميلادي، واحتوى على آلات دقيقة ومتقدمة لذلك العصر. يُذكر أيضاً أن العلماء العرب قدموا ابتكارات في تصميم الأبراج الفلكية ورصد الكسوف والخسوف بدقة عالية، مما مهد الطريق لتطور علم الفلك الحديث في الشرق والغرب.

أسرار السماء بعيون علماء العرب: نظريات وابتكارات خالدة

لم يكن علماء بغداد مجرد ناقلين للمعرفة القديمة، بل أبدعوا وأضافوا نظريات هامة. من بين هذه النظريات الثابتة، جاء العالم البتاني (878-929م) بنتائج مذهلة حول حركة الشمس والأجرام السماوية، وهو أول من استخدم علم المثلثات لحساب المواقع النجمية. كما أبدع ابن الهيثم في شرح ظاهرة انكسار الضوء، والتي أسهمت لاحقاً في تطوير التلسكوبات. وفي قائمة أبرز إسهامات الفلكيين العرب:

هذه الإنجازات ساعدت في فهم أفضل للبنية الكونية، وأضاءت الطريق أمام علماء عصر النهضة الأوروبية.

مرصد أوكيمدن: نافذة عربية حديثة على أعماق الكون

بين جبال الأطلس المغربية، يقع مرصد أوكيمدن (Observatoire d’Oukaïmeden)، الذي يُعتبر اليوم أحد أهم المراصد الفلكية في العالم العربي وأفريقيا. تم تأسيسه في 2007 على ارتفاع يزيد عن 2700 متر، ويوفر موقعه الاستثنائي سماءً صافية تمكن من رصد أعماق الكون بشكل لا تضاهيه كثير من المواقع العالمية. يمتاز المرصد بتجهيزاته الحديثة مثل التلسكوب العملاق TRAPPIST-North، الذي شارك في اكتشاف كواكب خارج المجموعة الشمسية ضمن نظام TRAPPIST-1 الشهير عام 2017. كما يُعتبر أوكيمدن نقطة جذب للباحثين والهواة من مختلف الدول العربية للمشاركة بأبحاث حديثة في مجالي الكواكب والنيازك.

العرب وجمعية الفلك العالمية: حضور متجدد

في الآونة الأخيرة، أصبح للعرب حضور أكبر في المجالات الفلكية الدولية، حيث يشارك كثير من الباحثين من بلدان مثل المغرب، السعودية، مصر، الجزائر والإمارات في مشاريع عالمية. مرصد أوكيمدن على سبيل المثال، يُعد عضواً في برامج مراقبة الكويكبات ذات المخاطر على الأرض بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية، إضافة إلى اشتراكه بمشروع "سكاي جارنت" لرصد حركة الأقمار الصناعية والقطع الفضائية الضالة. نشطت كذلك جمعيات الفلك والهواة التي تعمل على نشر الثقافة الفلكية، وإدخال المفاهيم الحديثة إلى المناهج التعليمية، وتنظيم فعاليات الرصد المفتوحة لعامة الجمهور.

من الماضي إلى المستقبل: الفلك العربي يستعيد بريقه

بانتقال الرؤية من حضارة بغداد إلى الإنجازات الحالية في مرصد أوكيمدن، نلاحظ خيطاً من الاستمرارية والرغبة بالتعرف على أسرار السماء. رغم التحديات والعقبات، هناك نهضة فلكية ملحوظة اليوم تعيد للأذهان أمجاد العصر الذهبي. يتجلى ذلك في تأسيس مراكز بحثية جديدة، والمنح الدراسية التي تُمكن الطلبة العرب من المشاركة في أضخم التلسكوبات حول العالم، إضافة إلى مساهمة العرب في فرق فضاء دولية. رحلة الفلك العربي كانت مثيرة، وما زالت مستمرة، مؤكدةً أن عشق الإنسان العربي للنجوم لا ينطفئ، بل يتجدد مع كل جيل جديد.

بواسطة KaiK.ai