ي السنوات الأخيرة، ازدادت عمليات الغش الأكاديمي بفضل تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي تخلق نصوصًا تبدو بشرية بشكل متقن. وهذه النصوص أحيانًا لا تتضمن اقتباسات أو علامات سرقة فكرية، مما زاد صعوبة كشف الغش التقليدي. ومع تفرّد برامج مثل ChatGPT، Bard وCopilot بإعادة الصياغة بأسلوب متنوع، أصبحت الكشوف الأكاديمية بحاجة إلى أدوات أكثر تطورًا.
Turnitin: حارس النزاهة الأكاديمية في العصر الرقمي
برز Turnitin كأحد المنصات الرائدة عالميًا في كشف الانتحال وخداع النصوص، من خلال تحليل ملايين الوثائق والمقالات الأكاديمية. واستجابة لتحدي النصوص المولّدة بالذكاء الاصطناعي، أطلقت في أبريل 2023 أداة خاصة لاكتشاف النصوص التي تنتجها نماذج توليد اللغة، مثل GPT-3 وGPT-4 وغيرها.
الأداة تعمل بتقسيم النص إلى مقاطع (حوالي 300–400 كلمة) وتحليل كل واحدة منها باستخدام نموذج تعلم عميق قائم على بنية Transformer، مستندًا إلى مقاييس مثل "القابلية للتنبؤ" و"تماثل البنية" و"التعقيد اللغوي".
كيف يكتشف Turnitin النصوص الذكية؟
-
تحليل النمط البنيوي: يبحث عن تناغم في طول الجمل وتكرار الاستخدام للكلمات القصيرة ذات النمط الآلي.
-
استخدام خوارزميات التعلم العميق: تعتمد على تصنيف احتمالي لكون النص مولّدًا آليًا.
-
التقاط "البصمة الرقمية" للنصوص الآلية: مثل البنية الهيكلية المحايدة والافتقار للتعبير الانفعالي أو الشخصي.
دقّة وقدرات الكشف: الواقع مقابل الإدعاء
-
الدقة الرسمية: تصّرح Turnitin بنسبة دقة تصل إلى 98% في كشف النصوص المولّدة آليًا وتؤكد أن معدل النتائج الإيجابية الخاطئة (false positives) لا يتجاوز 1%، خاصة عند نصوص تحتوي على أكثر من 20% من المحتوى المولّد آليًا.
-
الدراسات المستقلة: تشير إلى معدلات دقة عامة تتراوح بين 70–80% فقط، وقد تنخفض إلى 22–40% في الحالات المحسّنة التي تمّت بغرض التمويه (أي النصوص "المتحايلة"). في التجارب، تمكّن المراقبون من كشف 91% من النصوص الاصطناعية لكن فقط 54% من المحتوى الذي اكتمل باستخدام استراتيجيات التمويه.
-
الحالات الحقيقية: أبلغت جامعات مثل Vanderbilt عن حالات طلابية سجلت نصوص إنسانية خاطئة على أنها آلية، مما دفع بعضها لتعطيل الأداة مؤقتًا.
-
التحذيرات التنظيمية: حذرت مؤسسات مثل Guardian من الاعتماد الكامل على الكشف التلقائي، نظراً لإمكانية استهداف الطلاب غير الطلقين في اللغة الشبكية والكتابة الرسمية.
التحدّي المستمر: السباق بين الذكاء والتقنيات
تستمر أدوات الذكاء الاصطناعي في التحسن وتصبح أكثر قدرة على التقليد البشري. يرد Turnitin بتحديث نماذج كشفه وتوسيع قاعدة التدريب لتشمل نماذج أحدث. لكن الأمر لا يعد إلا جزءًا من معركة مستمرة: كلما تحسن الذكاء الصناعي، ارتفع التحدي في اكتشافه.
النهج المتكامل: بناء ثقافة الأمانة بدلًا من المعركة التقنية
يرى الخبراء أن الحل الكامل لا يكتمل من خلال الأنظمة الفنية فقط. إليك النهج الأمثل:
-
تعليم الأمانة الأكاديمية: غرس قيم النزاهة، والابتعاد عن الغش من البداية.
-
تطوير مهارات البحث والكتابة: عبر دعم أكاديمي عملي مستمر.
-
إجراءات شاملة: جمع أدلة مثل أعمال سابقة، ملاحظات، مقابل النتائج التي تكشفها الأدوات. إذ إن تقرير Turnitin لا يُعد دليلًا قضائيًا بحد ذاته، بل يُستخدم ضمن مسار تحقق أكثر رجاحة.
الخلاصة: الذكاء البشري ينتصر بجانب التقنية
رغم تطور أدوات الكشف مثل Turnitin، فإن السباق ضد الغش الذكي لن يُحسم تقنيًا بالكامل. الأساس سيكون في:
-
توعية الطلاب وتعليمهم القيم والممارسات الصحيحة.
-
اعتماد أساليب تقييم فهم ومهارات مباشرة.
-
دمج الذكاء العملي مع التقنية لبناء بيئة تعليمية أصيلة.